الأربعاء، 3 يوليو 2013

خطاب: مشكاة النور (عليها السلام)


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيم
«إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ(1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ(2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ(3)»

كوثرنا الزهراء، وحلقة الوصل بين النبوة والامامة... زهراؤنا...كلمةٌ منها الكلمات تتكون، وخطبة فيها الآيات تترتل...
فحديثها القرآن، ووبنورها التبيان، وبعشقها تتفتح شرايين الوجدان ...
فمن هي فاطمة؟ كيف هي فاطمة؟ وما العبرة من معرفة فاطمة؟
فلنذهب قليلا في رحلة قبل الإنشاء، قبل خلق السماوات والأرض وعرش الله والبحار... ولنستكشف ماذا خلق الله سبحانه وتعالى قبل كل ذلك... استمعوا لهذا المشهد اللطيف المروي عن عن‌ أبي‌ عبد الله‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌:
خلق الله سبحانه نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليا عليه السلام (نوراً، أي روحا بلا بدن)... 
فظل هذا النور يسبح ويمجد لله سبحانه وتعالى ويقدس ويهلل، ثُمَّ جمع الله سبحانه رُوحَيْهُمَا فَجَعَلْها روحا وَاحِدَةً، فَكَانَتْ تُمَجِّد‌ وَتُقَدِّسُ وَتُهَلِّلُ أيضا! بعدها قَسَّمْهَا روحين مرة أخرى وَقَسم الروحين إلى روحين أخريين  فَصَارَتْ
أَرْبَعَة أرواح: وَاحِدةٌ مُحَمَّدٌ ص ، وَعلي‌ وَاحِدة، وَالحَسَنُ واحدة، وَالحُسَيْنُ واحدة...
ثُمَّ خَلَقَ اللَهُ فَاطِمَةَ مِنْ نُورٍ آخر جديد مُنْشأ ابْتَدَأَهَا.
نور الأكوان المقدس ... نور منشأ تمَّ إيجاده‌ في نشأة‌ الحياة‌ والإيجاد في‌ عالم‌ التكوين‌ ‌...
لحظه واحدة ... أريد انتباهكم لهذه المعلومة: في عوالم التجرد( أي قبل خلق أي شيء)، ليس هناك وجود لصفة‌ الذكورة‌ أوالاُنوثة‌... ماذا نستنتج من هذه المعلومه؟ أي أن فاطمة خلقت سيدة للبشر، وليست سيدة للنساء فقط...

 أتعرفون لماذا سميت فاطمة؟ تعددت الأسباب، ولكن شدني سبب مهم أحببت أن أوضحه لكم...
قيل بأنها سميت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها، أي أن الخلق فطمو من معرفة قيمة ومقامة ومنزلة فاطمة، رغم أنه ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها وهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى.

قليل منا فهم من سورة النور الشريفة؟
دعوني آخذكم في رحاب تفسير إحدى أحلى آيات هذه السورة... في قوله تعالى  آية (35) سورة النــور:
 بسم الله الرحمن الرحيم
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
قال الامام علي(ع): ويل لمن يقراها ولا يفهم معناها،
فالمشكاة
: فاطمة بنت محمد صلوات الله عليها
فيها مصباح: الحسن المجتبى عليه السلام
المصباح
: ابو عبد الله الحسين عليه السلام
الزجاجة: قلب امير المؤمنين وصدره وعلمه
كوكب دُرِّي: نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
يوقد من شجرة:الامام السجاد(علي بن الحسين)
مباركة:الامام الباقر
زيتونة:الامام الصادق صلوات الله عليه
لا شرقية:موسى بن جعفر
ولا غربية:الامام الرضا
يكاد زيتها يضيء:بالامام الجواد
ولو لم تمسسه نار:الامام الهادي
نور على نور: نور العسكري
(يهدي الله لنوره من يشاء) نور الله في ظلمات الارض:نور المهدي من ال محمد صلوات الله عليه ...
عرفنا أن آية النور هي عن آل بيت محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم، ومشكاة النور هي فاطمة عليه السلام... والمشكاة فاطمة هي أساس الآية...
قال الله تعالى في الحديث القدسي لرسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم):
»يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما«

إذا... فلنقف إجلالا لسيدة الأكوان فاطمة (عليها السلام)... أوقفتم؟
استشعروا قلوبكم... هل دقت القلوب؟ هل أدمعت الأعين؟ هل أحسستم بنبضات العشق تدق في قلوبكم؟
ضعو الأيادي فوق القلوب... واستنهضوها بالعشق المطهر... نادوا نداءا يضج بينكم وبين بارئكم في سكون وخشوع
" أحبك فاطمة... اقبليني فاطمة ... يالله، يارحمن يارحيم اقبلني في شيعة فاطمة... أدخلني جنة فاطمة... وامنن علي برضا وشفاعة فاطمة..."
عندما تهل دموعكم... وترهف قلوبكم... وتحسون بفرحة لا يصفها العقل ولكنما تتغلغل في القلب كماء يروي عطش السنين... عندها فقط ... (نكون قد وقفنا بحب فاطمة... فوقوفها مختلف عن الوقوف... وقوفها هو استقامة القلوب... هو حب القلوب...)

قد ذكرت لتوي جنةَ فاطمة... ولكن، كيف ندخل جنة فاطمة؟
أغمضوا أعينكم معي رجاءً... ولنحلم بذلك اليوم... لنحلم بأن نحضر هذا الموقف العظيم...
من تحبب أن تستشعر الموقف، فلتغمض عينيها وتحلم معي... لنحلم أن نكون من شيعة فاطمة عليها السلام... في ذلك اليوم... يوم تمشي في الجنة عليها السلام بنورها الجليل... يوم تنير وجمالها الذي هو جمال الله عز وجل ينير...
إن جمالها الربّاني‌ّ الازلي‌ّ الابدي‌ّ، يَبرُقُ ويتلالا بشكل‌ يُعمي‌ بصر كلّ عين‌ عاجزة‌؛ ولكن نور جلالها يغطي نور جمالها، فلا تستطيع الأبصار أن تنظر لذلك النور الجليل، لتلك السيدة العظيمة، نور يجعل كل ناظر يغض البصر ويعجز عن النظر... ولهذا صار نور الجلال‌ حجاباً لنور الجمال‌.
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بمعنى الحديث: أنها تأتي فوق ناقة من نوق الجنة، و عن يمينها سبعون ألف ملك و عن شمالها سبعون ألف ملك و جبرئيل آخذ بخطام ناقتها  ينادي بأعلى صوته: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد فلا يبقى يومئذ نبي مرسل و لا رسول و لا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة عليها السلام...
سيملأ دويُ النداءِ بغضِّ الأبصار أسماع‌ الخَلق‌ وأركان‌ ساحة‌ المحشر الكبري‌ عند عبور سيّدة‌ نساء العالمين‌، وتعبر تلك‌ السيّدة‌ يُغَطّيها حجاب‌ تتدلّي‌ منه‌ آلاف‌ الحُجُزات‌، ويربط‌ كلّ واحد من‌ شيعتها نفسه‌ بواحدة‌ من‌ تلك‌ الحُجُز ويتمسّك‌ بها.
إلهي؟ نريد أن نكون ممن يتمسك بفاطمة عليها السلام... نريد أن نحلم بأننا ممن يتمسكون بحجزات فاطمة، ولن نحلم فقط، نريد أن نحقق الحلم بالإيمان والعمل الصالح...
فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله و تنزل بنفسها عن ناقتها و تقول: إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي فإذا النداء من قبل الله جل جلاله يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطى و اشفعي تشفعي وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن اخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار ... فعند ذلك يود الخلائق لو أنهم كانوا فاطميين...
فتقول إلهي وسيدي ذريتي وشيعتي وشيعة ذريتي، ومحبي ذريتي... فإذا النداء من قبل الله جل جلاله أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبو ذريتها فيقومون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة حتى تدخلهم الجنة...
وقيل أنه يتقدّم‌ رِضوان‌ خازن‌ الجنّة‌... ومالِك‌ خازن‌ جهنّم‌ في‌ الحال‌ ويسلّمانها مفتاحي‌ الجنّة‌ والنار، ويضعانه‌ في‌ كفّي‌ّ السيّدة‌ الكبرى‌ قائلينِ: إنّ الله‌ يقول‌: لقد أعطاناولدك‌ الحسين‌ كلّ ما لديه‌، فسنعطيه‌ نحن‌ كلّ ما لدينا؛ فخذي‌ مفتاحي‌ الجنّة‌ والنار وأدخلي‌ مَن‌ شئتِ من‌ أحبّائكِ إلی‌ الجنّة‌، وألقي‌ بمَن‌ شئتِ من‌ أعدائكِ في‌ النار، فهذا الموقف‌ موقف‌ العدل‌ لدي‌.
فتلتقط شيعتها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردئ، وتمسح آثار النار من عليهم وتدخلهم الجنه...
وهنا يأتي سؤالنا لأنفسنا... هل نحن من شيعة فاطمة؟
لانستطيع أن نجيب عن هذا السؤال بأنفسنا ولكن لنتمنى ونقول: نحن من نتمنى أن نكون من شيعة فاطمة...
لا نستطيع أن نقول: نحن شيعتها... بل نقول: إن شاء الله نحن شيعة فاطمة عليها السلام... يالله...
إذا... هذا اليوم، هو ذكرى بزوغ شمس فاطمة على كوكب الأرض...
لنتذكر حينما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله إلى الجنة وأبهر بجمال شجرة التفاح والتفاحة التي أبهرته بنورها فقضمها ليتكامل نوره ونور فاطمة عليهما السلام معا...
وبعد مرور أشهر الحمل المطهر على السيدة العظيمة خديجة عليها السلام،  الحمل الذي كان خفيفاً، وكانت فاطمة تحدث أمها في بطنها... ولدت سيدة نساء الكون في محفل حضرته سيدات نساء الجنة،أمنا حواء وآسية بنت مزاحم كلثم أخت موسى ومريم بنت عمران عليهن السلام، شاهدين ولادة سيدة الأكوان عليها السلام، وحفل من الملائكة العظام...
فلا يسعنا في تذكر هذا الحدث العظيم إلا أن ... نصلي على محمد وآل محمد ...وأن نهلهل في ذكرى شروق الشمس، ذكرى ولادة فاطمة عليها السلام...
وُلِدّت فَخيرُ نِساءِ زمانِها .. كانت وما زالت تكون
وَهِيَ العّبيرُ إذا بدأت شُمو .. سُ العِزَّةِ النَّورى سُكون
أَهِيَ الغُروبُ بِسِحرِ سُفوحِهِ .. يُطلِل لنا خلفَ الغصون
أَهِيَ الطُّلوعُ بِنورِ زُهُوِّهِ .. يُشفي من الدُّنيا الشُّجون
أَتُرى بُزوغِ شُموسِ كَواكِبٍ .. أضوت بنا لولا الحَسُون
بَزغت ونِعمَ بزوغِ جلالِها .. طلَّت بِمحياها الحَنون
ألا تستحق منا الجليلة بضع الهلهلات والصلوات... لم لا نهلهل مختتمين كلماتي؟
ولنختم بلحن مفضل لدي... اللهم صل على محمد و آلِ محمد(ثلاثا) ...

حرر في : 31-5 إلى 1-6-2010م

ليست هناك تعليقات: